• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

بلاغة أدب الرحلة: قراءة تأويلية تقابلية في نص " جزيرة سيلان " لابن بطوطة

بلاغة أدب الرحلة: قراءة تأويلية تقابلية في نص " جزيرة سيلان " لابن بطوطة
إبراهيم أكراف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2014 ميلادي - 12/7/1435 هجري

الزيارات: 45401

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بلاغة أدب الرحلة

قراءة تأويلية تقابلية في نص "جزيرة سيلان " لابن بطوطة[1]


أما قبل:

"ليس مَن لزمَ جهة وطنِه، وقنع بما نمى إليه من الأخبار من إقليمه، كمَن قسم عمره على قطع الأقطار، وزرع بين أيامه تقاذُف الأسفار واستِخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنِه"؛ (أبو الحسن المسعودي).

 

تمهيد:

إن اقتران أي نصٍّ باسم ابن بطوطة، لا يدع لنا مكانًا للريبة في انتمائه إلى "فنِّ الرحلة" الذي يُعتبَر "فنًّا هجينًا جامعًا لعدة أجناس وأساليب ومضامين، وأنماط تَقترن بالغرائب واستيهاماته وأحلامه ومقارناته ومغامراته الداخلية (الباطنية) والخارجية (المرجعية)"[2]، فن الرحلة، إذًا "ملتقى معارف مُتعدِّدة"[3] مما يجعل مقاربة نصوصه تستلزم الكثير من الحذر العلمي والمنهجي؛ ذلك أننا "نرى الرحالة كأدباء وإثنوغرافيين معًا"[4]، فالرحلة ليست سجلًّا تاريخيًّا أو جغرافيًّا أو ثقافيًّا فقط، بقدر ما تحبل بعناصر إبداعية، بل إن كاتبها يُحاول أن يبيِّن لنا مسار رحلته عبر لغة فيها كثير مِن العناصر الأدبية.


نصُّ ابن بطوطة الذي سنحاول مقاربته، هو "جزيرة سيلان"[5]، المأخوذ من رحلته المعروفة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، فما التقابلات التي تناولها هذا النص؟

 

1- عتبة العنوان والتعاقُد التأويلي:

العنوان "موضوع للتأويل، ومفتاح تأويلي للنص الذي يُعنوِنه"[6]، فهو الحبل السُّرِّي بين المقروء والقارئ؛ يوجهه ويؤسس له أفق الانتظار، "العنوان يُمنهج القراءة، ويتحكَّم في تأويل النص وفي أفقِ انتظار المتلقي؛ لأنه اقتراح عقد"[7].


وتُتيح لنا قراءات تأويلية تقابُليَّة لعنوان النص رصدَ ما يلي:

مركب اسمي

مركب اسمي

جزيرة

سيلان

جدول استبدالي (1)


مؤشر مميز للفضاء

مؤشِّر مكاني

جزيرة

سيلان

جدول استبدالي (2)


تأسيسًا على الجدولين، نَخلص إلى القول: إن المركَّبين الاسميين يدلان على ثبات المكان، وإن ما سيأتي في النص حديث عن مكان واقعي أو يَحتمل أن يكون كذلك، وليس حديثًا عن مكان عجائبي.


وقد تعزَّزت هذه الواقعية عند الرحَّالة بخريطة تُحدِّد جغرافية المؤشِّر الفضائي والمؤشر المميز لهذا للمكان.


يحق لنا القول انطلاقًا من قراءتنا الأفق عمودية للعُنوان، إن اعتماد "جزيرة سيلان" كعقد ائتمان بين الرحالة والقارئ، يَستهدِف الصدق والقول الحقيقي، أو على الأقل - من باب المحتمل - الإيهام بهما"[8]، كما يُحيل المؤشر الفضائي "سيلان" إلى سَيلان هذه الجزيرة بشيء ما ثاوٍ بين أسطر النص، وذاكم ما سنُحاول الكشف عنه في الأسطر الموالية.


2- في مقابلة مع النص:

الاعتزاز بالذات:

بين السفر من الجزائر إلى سيلان، وصولاً إلى استضافة السلطان "إيري شَكَرَوْتي"، وعبر سلاح اللغة يعتدُّ ابن بطوطة بذاته في صمت، موحيًا دون أن يُصرِّح بأن شخصية الرحَّالة شخصية غير عادية، تعشق المغامرة وتمتطي صهوة الخطر المطرزة بالخوف؛ "وسافرنا ولم يكن معنا رائس عارف، ومسافة ما بين الجزائر والمعبَر ثلاثة أيام، فسِرنا نحن تسعة أيام، وفي التاسع منها خرجنا إلى جزيرة سيلان (...)، ولما وصلناها قال البحرية: "إن هذا المرسى ليس في بلاد السلطان الذي يُدخِل التجار إلى بلاده آمنين، إنما هذا مَرسى في بلاد السلطان "إِيرِي شَكَرْوِتي"، وهو من العتاة المُفسِدين، وله مراكب تقطع في البحر"، فخِفنا أن ننزل بمَرساه، ثم اشتدت الريح فخِفنا الغرق، فقلت للناخوذة: "نزلني إلى الساحل، وأنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان"[9].


تَبتدئ المغامرة في رحلة ابن بطوطة في قبوله السفر مع رائس لم يَخبر بعد الطريق، دون إكراه، كما تُثبِت ذلك لفظة "سافرنا" في سياقها، إذًا فالرحَّالة شخص شُجاع يواجه قساوة المناخ الملغوم بقَدر مستور، وشططَ سُلطان عاث في الأرض فسادًا، فالرحَّالة يستعرض بَسالتَه في الإقدام وإخضاع الطغاة بمرونة، فهو رجل بصيغة الجَمع، متيقِّن من إصابة الهدف، وذلك ما يُزكيه وثوقُه من أخذ الأمان من السلطان، فصاحبُنا لم يقل: سأُحاول، ولم يقل: ابعثوا معي أفصحَكم لسانًا أو أضخمكم جسدًا، فقد اجتمع في الرجل ما تفرَّق في غيره، إننا أمام بلاغة الاعتداد بالذات وإرغام الناخوذة ومن معه والمتلقي على حدٍّ سواء، على التسليم بعنتريته، ويَزيد تأويلنا رجاحة أسلوب حديثه عن السلطان؛ "أنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان"، فهو يتحدث عن السلطان وكأنه أمامه بالفعل، مشيرًا إليه باسم الإشارة، وهنا تقابل بين اسم الإشارة هذا للقريب، والسلطان البعيد والـ"هذا"، بمعنى أن حاجز الخوف من السلطان المعروف بطغيانه لا يعني له شيئًا، بل لا يُخيفه ألبتة، ولو كان الأمر كذلك ففي مقابل ذلك سيقول: "أنا آخذ لك الأمان من السلطان"، أو يقول: "أنا آخذ لك الأمان من ذلك السلطان".


لقد حدَّد الرحَّالة السلطان وأشار إليه؛ أي: إنه يعرف وجهته وواثق من ذاته، ولا يُعطي للسلطان أية هالة.


أفلح الرحالة في انتزاع الأمان من سلطان طاغٍ، مُفسِد، فكأني به من خلال هذا الانتزاع يقول: "إن الطغاة قيثارة لا يُحسن العزف عليها إلا من كانت لديه أنامل بارعة"، كيف لا وقد انتفَت التراتبية بين الرجلين: فأصبحنا نعيش تقابلاً بين ذاتين: السلطان / الرحالة؛ يقول: "ولما دخلتُ على هذا السلطان الكافر، قام إليَّ وأجلسني، وكلمني بأحسن كلام وقال: "ينزل أصحابك على الأمان، ويكونون في ضيافتي إلى أن يُسافروا، فإن سلطان المعبر بيني وبينه الصحبة"[10].


ليس الرحَّالة شخصًا عاديًّا كما يُبيِّن النص، حتى لكأنه صار هو السلطان (قام إليَّ / أجلسني / كلمني...)، وهنا يظهر التقابل بين الفاعل: السلطان، والمُستقبِل: الرحالة، ما يبين حظوةً لا ينالها إلا عزيز على النفس.


تدل الأفعال المشار إليها إلى اعتداد الرحالة بذاته عبر قناع اللغة؛ فدخوله على السلطان كان دون حاجب ولا مُرافق - حسب ما جاء في السياق - ثم إنَّ السلطان هو مَن قام إليه، وهو مَن كلَّمه، وهو مَن أجلسه، وهذا يُزكِّي ما ذهبنا إليه آنفًا حين قلنا: إننا في تقابل ذوات بين الرحالة / والسلطان.


ونستشفُّ من النص أيضًا أن صاحبنا يؤكِّد لمرافقيه في الرحلة وللمُتلقّي أنه إنسان ذو شأن عظيم؛ فالسلطان - إن جاز التعبير - كان له خادمًا وحرمًا آمنًا؛ أكرمه إكرامًا عظيمًا مُتزايدًا، ولبَّى طلبه في زيارة القَدَم (قدم آدم)، وهان عليه الأمر، فأمدّه بالزاد والعتاد وأرسله في موكب عظيم الشأن، يعزِّز ما مرَّ معَنا سالفًا عن افتخار الرحالة في خفاء بذاته عبر مُقابلتها بشخصية السلطان.


الرحالة هو الآخر يُلبِّي حاجات السلطان الوجدانية، ويُغذِّيها بما يشتهي من القول، "وكان يفهم اللسان الفارسي، ويُعجبه ما أُحدِّثه به عن الملوك والبلاد، ودخلت عليه يومًا وعنده جواهر كثيرة أوتي بها من مغاص الجوهر الذي ببلاده، وأصحابه يميزون النفيس منها من غيره، فقال لي: "هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئتَ منها؟". فقلت له: "نعم رأيته بجزيرة (قيس) وجزيرة (كش) التي لابن السواملي"، فقال "سمعت بها"، ثم أخذ حبات منه، فقال "أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه؟"، فقلت له: "رأيت ما هو دونها"، فأعجبه ذلك، وقال "هي لك!"، وقال لي: "لا تستحِ واطلب مني ما شئتَ"، فقلت له: "ليس مُرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريم، قدم آدم عليه السلام"[11].


فبالإضافة إلى شجاعته وركوبه الخطر، فهو عارف باللغات، ومن بينها اللغة الفارسية، مع تميُّزه بحكمة في اللسان، فحديثه قد استهوى السلطان، وفي مقابل ذلك مدح وثناء للسلطان، وذاك ما سيَزيد من عظمته عند السلطان، وهو الرجل الذي يُحبُّ أن يُمدح كما سنُبيِّن في ما سيأتي.


إن الرحَّالة شخص حاذق، يَعرف كيف يَجلب الاعتراف لنفسه، فهو عالم بأخبار الملوك والبلاد، وذو علم بالنفيس والرخيص من الجوهر، ما جعل السلطان يسأله هل سبق له أن رأى مغاصًا للجوهر في البلاد التي جاء منها؟ وهل رأى فيها مثل حبات الجوهر التي ناوله؟ فكان مرمى السلطان هو جلب الاعتراف لبلاده ولنفسه - كما يؤكد النص - وذاك ما أدركه، وبدهاءٍ الرحالة؛ حيث أجاب بدقة ورقّة، جعلته يستوي على عرش السلطان وينال مآربه، فكان جوابه أن لا مجال للمقارنة بين جوهر جزيرتي (قيس) و(كش) بعبارة مضغوطة: "رأيت ما هو دونها"؛ أي: لم أرَ مثلها ولا أفضل منها، بل ما دونها.


يظهر أن هدف الرحالة في مقابل التعريف بالأماكن التي زارها يَسكنه هاجس الاعتزاز بالذات؛ حيث إن التقابل النووي الذي يسكن هذا النص متمثل في الرحالة / السلطان.


ونُجمل هذه التقابلات الاستتباعيَّة في الجدول التالي:

الرحالة

مقابل

السلطان

الإسلام

الشجاعة

حكيم مُصلِح

مقابل

مقابل

مقابل

الكفر

المكر

عاتٍ وفاسد

 

المركزية الدينية - الذات في مقابل الآخر:

ترتحِل الذات إلى الهناك، حاملةً معها في وعْيها ولا وعْيِها معالم التفوق على الآخر، "والواقع أن الرحلات العربية القديمة - ومنها على سبيل المثال رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر الميلادي - كانت تجعَل الركيزة الدينية هي المِحور الأساسي الذي يتحكَّم في تقويم العلاقة مع الآخر، ولهذا السبب نرى أن جميع المزايا التي يتمُّ تفصيل الكلام عنها عند الأقوام الآخرين تُنسخ أو تكاد أمام تأكيد غلبة الكفر لديهم"[12]، النص الذي بين أيدينا لا يَخرج عن هذا الطوق، فصاحبنا كان حريصًا على ذكر السلطان مقرونًا بالكفر، وهو لفظ تَحقيري يُنقص من قيمة الآخر المغاير [الكفر] الذي يرى في الذات النموذج الأمثل بالاحتذاء، وحامل القيم الخالصة التي لا تَشوبها شائبة، فكان أينما حلَّ الرحالة وارتحل يبحث عن الذات المقابلة؛ يقول حسين محمد فهيم عن ابن بطوطة: "فهو نفسه سلك نفسه في سِلك القضاة؛ لأنه - كما يقول - من بيت قضاء، ثم إنه تولى القضاء أول مرة بعد خروجه من تونس مع الركب، فأصبح يعدُّ نفسه قاضيًا ولا ينزل إلا بالقُضاة"[13].


وفي معرض بحثه عن الذات المُماثلة يقول في مواصلة رحلته إلى مدينة جديدة من أعمال السلطان: "ولم نرَ بهذه المدينة [منار مندلي] مسلمًا غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه، فسافر معنا"[14]، ويَحضر التمركز الديني واضحًا للمُتلقي في نصوص ابن بطوطة، "غير أن ما يشد الانتباه أكثر إلى بنائه السردي هو قدرته الفائقة على لفِّ فتنة الغرابة في إيهابِ المقدَّس؛ مما يُكسب خطابه مُسوح الصِّدقية (véridicité) والمصداقية - على الأقل - بالنسبة لمتلقٍّ وَسطي يصعب خَطْب وُدِّه دون مشاركته الوجدانية ومُراودة آفاق انتظاراته الثقافية، من هنا جاء هذا التحويل لانتباه القارئ من فتنة الحكي إلى أحابيل الكرامة؛ أي من لحظة الغريب والمدهش والباهِر والمشاركة الوجودية إلى زمن المهيب والمقدَّس والاعتبار والمشاركة الوجدانية"[15]، ونَسوق من النص قوله:


"وسافرْنا في أوعار كثيرة المياه، بها الفيَلة الكثيرة، إلا أنها لا تؤذي الزوَّار والغرباء، وذلك ببركة الشيخ أبي عبدالله بن خفيف - رحمه الله - وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم، وكان هؤلاء الكفار يَمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم، ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم، فلما اتفق للشيخ أبي عبدالله ما ذكرناه في السفر الأول من قتْل الفيَلة لأصحابه، وسلامته من بينهم، وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظِّمون المسلمين، ويُدخلونهم دورهم (...)، وهم إلى الآن يعظّمون الشيخ المذكور أشد تعظيم، ويُسمونه الشيخ الكبير"[16].


والملاحَظ في الشاهد أن الرحالة يعتمِد إستراتيجية محكمة لإسقاط المُتلقِّي في شرك صدقية المقول، يصف له الطريق للاستئناس حتى يأنس منه الاهتمام، فيُباشر تمرير الغرائب في قالب المقدَّس، متعاملاً مع المتلقي بأنه خالي الذهن، حتى إذا آنس منه ترددًا، استدعى حجة السلطة وهي كون "الكفار" ما يَزالون يُعظِّمونه إلى اليوم، وكأنه يقول لمُتلقِّيه إذا لم تَثِق فاذهب إلى هناك واسأل أولئك "الكفار"، والمنحى ذاته تنحوه باقي الاستشهادات بأولياء الله الصالحين والأماكن المقدسة، "هكذا يتخلص ابن بطوطة من غَواية التشكيك (...) ليَحمِل مُتلقِّيه، الذي يمكن أن يتسرّبإليه الارتياب في المحكي الرحلي، على الإخلاص الخالص، والتسليم التام بأقاويل تنتزعلنفسها هيبة القداسة ورهبتها"[17]، وتأسيسًا على ما سلف نخلص إلى القول: إن الرحلة أدب قبل كل شيء؛ على حد تعبير عبدالنبي ذاكر[18].

 

3- خاتمة وأسئلة معلقة:

لن نجعل خاتمة هذا التحليل خلاصةً لما وصلت إليه هذه الدراسة، بل نترك للقارئ الحَصيف، مهمة استِكناه تلك النتائج، عبر رحلته الخاصة، وسنقتصر على إثارة بعضٍ من الأسئلة التي بقيَت معلَّقة في مقابل أسئلة تمَّت الإجابة عنها في نص الرحلة، هذه الأسئلة هي:

• مسافة ما بين الجزائر والمعبَر ثلاثة أيام فسِرنا نحن تسعة أيام"، لماذا تسعة أيام؟ ألأنَّ الرائس أخطأ الطريق أم ثمة سبب آخر؟


• أي إكرام ذاك الذي حظيَ به رحّالتنا؟! ما هي الخدمات التي قدّمها الرحَّالة للسلطان نظير كل هذه الحظوة التي تتجاوز - في نظرنا - حدود الصداقة؟


• لماذا يسهب الرحالة في وصف بعض الأماكن وعجائبها، بينما يكتفي حينًا آخر بالقول: ورحلنا من هنا إلى هناك، أليس في هذه الأماكن شيء يستحق الذكر، أم إنها تمثِّل للرحّالة أحداثًا يرفض التفصيل فيها والاحتفاظ بها لنفسه؟ ومن ثمة نتساءل عن المسكوت في المقابل المُفصَح عنه في أدب الرحلة؟


• هل يكون نص الرحلة استعراضًا لقوة الرحَّالة وقدرته على مواجهة الصعاب، والاعتزاز بذاته، أكثر من عدِّه وثيقة تاريخية وجغرافية...؟



[1] أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي، الشهير بابن بطوطة، لقب أعظم الرحَّالة المسلمين على الإطلاق، ابتدأ رحلته نحو بيت الله الحرام ودامت تسعًا وعشرين سنة، أملى مشاهداته على محمد بن جزي الكلبي بأمر من السلطان أبي عنان المريني، توفي سنة: 779هـ / 1378م.

[2] ذاكر، عبدالنبي: نقلاً عن الحمدني، حميد؛ (ضمن جماعي): مدارات ثقافية وفكرية، المحتمل في الرحلة العربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، سلسلة شهادات 3، 2006، (ص: 126).

[3] الحمدني، حميد (ضمن جماعي): مدارات ثقافية وفكرية، المحتمل في الرحلة العربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، سلسلة شهادات 3، 2006، (ص: 126).

[4] حسين محمد فهيم: أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، يوليوز 1989، العدد: 138، (ص: 8).

[5] ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، شرَحه وكتب هوامشه: طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 1987، (ص: 597) (ص: 602).

[6] محمد بازي: العنوان والتعاقد التأويلي الوظائف والدلالات، مجلة طنجة الأدبية، يوليوز 2010، العدد: 27، (ص: 28).

[7] عبدالنبي ذاكر: عتبات الكتابة مُقاربة لميثاق المحكي الرحلي العربي؛ مجموعة البحث في الأدب الشخصي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، 1998، (ص: 160).

[8] عبدالنبي ذاكر: مرجع سابق، (ص: 38).

[9] رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة، (ص: 597).

[10] رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة، م.م، (ص: 598).

[11] رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة، م.م، (ص: 598).

[12] الحمداني، حميد: م.م، (ص: 128).

[13] حسين محمد فهيم: أدب الرحلات، م.م، (ص: 24).

[14] رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة،م.م، (ص: 598).

[15] ذاكر، عبدالنبي: http: / / www.aljabriabed.net / n87-09dakir.htm.

[16] ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة،م.م، (ص: 599).

[17] ذاكر، عبدالنبي: http: / / www.aljabriabed.net / n87-09dakir.htm.

[18] المرجع نفسه: يقول في مقدمته للمقال: "وإنما سنُحاول - في إطار رصدنا للمتخيل والمحتمَل في الرحلات العربية والغربية http://www.aljabriabed.net/n87_09dakir.htm#_edn1- متابعة مشروعنا الذي يعتبر الرحلة أدبًا أولاً وقبل كل شيء".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اكتشاف غير مسبوق حول رحلة ابن بطوطة
  • التأويل التقابلي وتجديد درس الأدب (مقاربة لنموذج سيميائي)
  • ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية

مختارات من الشبكة

  • البلاغة السفلى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أوجه البلاغة: نحو تقريب البلاغة وتأصيل أوجهها النقدية ليوسف طارق جاسم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل مع الله"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم البلاغة عند القدماء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الأساس التقابلي في البلاغة العربية - مقاربة تأويلية(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • قراءة في كتاب الموجز في تاريخ البلاغة لمازن المبارك: ملخص لأهم معطيات الكتاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلاغة الإمام الطبري وشعره(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • قصاصات بيانية في البلاغة النبوية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلاغة الفواصل القرآنية: قراءة في آيات العقيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اكتساب ملكة البلاغة(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- منشورات الموقع
DR.Majed - السعودية 17-05-2014 11:22 PM
رائعة جدا منشوراتكم سواء أكانت مقالات أوبحوثا علمية..نرجو لكم التوفيق في عملكم.
بوركتم وبورك سعيكم.
1- استدراك
إبراهيم أكراف - المغرب 14-05-2014 01:02 AM
المقالة من إنجاز: إبراهيم أكراف/ لحسن إفركان
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب